الغيرةُ وكلمة البطريرك

رينيه أنطون - 26 حزيران 2025


يُلحَظ أنّ محبّة بعض أبناء الكنيسة وغيرتهم تدفعهم إلى الردّ على ما تعرّض له البطريرك يوحنّا العاشر من حملات في بعضِ مواقع التواصل بِفِعل جرأة كلمته في الصلاة لراحة نفوس الشهداء ومضمونها.

يقيني أنّ كلمةَ البطريرك أوضَحت مكانةَ الشهداء في ضميرِ الكنيسة، وعزّت قلوبَ المُصابين بأخصّائهم في جريمة التفجير كثيرًا، وشدّدت نفوس أبناء الكنيسة في سوريا وسطَ ما لا يُحتَمل من ظروف، وأسمَعت السلطات المسؤولة ما يجب أن تسمَع حرصًا على العدالةِ والحرّية والاستقرار، وهي العناوين التي نادت بها شعارًا للثورة، وسَعَت إلى التخفيفِ من قلق أبناء الرعيّة واضطرابهم ممّا حدث ويحدث حولهم، أكانَ قبل التفجير أم به أم بعده. وأيضًا عكسَت للعالم ما يجب أن يَعرِف، ما لم يكنْ يعرف، حولَ الأوضاع في سوريا وما يُرتجى.

ولأنّي، أيضًا، على يقين أنّ البطريرك يُدرك، تمامًا، ككلّ مَن يجب أن يُدرك من المسؤولين في البلاد والمنطقة والعالم، مدى التفاف أبناء الكنيسة ورعاتها حول مواقفه وتوجّهاته ومبادراته في هذه الظروف، وبهذا الخصوص، وصلواتهم لأجله، وأيضًا، مدى دعم والتفاف كلّ الكنيسة الأرثوذكسيّة، أينما كان في العالم، حول الكنيسة ورعاتها في سوريا، وهو الأمر الجليّ جدًا.

ولكونِ مكانَةُ البطريرك المتصدّرة في ضمائر المؤمنين، أيًّا كانَ شخصُه، غيرَ مُستَمَدَّة من مَخلوق، ولا يزدها مخلوقٌ شأنًا مهما بلغ شأنُه، ولا يُنشَد أن تكونَ مُستَمَدّةًّ من أحد، لأنّها من المسيح، من كونِ البطريرك راعي رعاة كنيسته، والأسقفَ المرجوّ ، ككلّ الأساقفة، على صورته، والساعيَ إلى استحقاقِ تربّعه على الكرسيّ الذي هو فوق كلّ المكانات، كرسيّ خليفةِ القدّيسَين بطرس وبولس، كرسيّ الخادِم الأوّل لإيمان الأبناء، المتقدّم إلى الصفوف الأولى فاديًا لهم على مثال سيّده، وسيّدهم.

لهذا، كلّه، أرى أن نُحَيِّدَ هذه المكانة عن كلّ أخذٍ وردّ أرضيَّين، ونَدع وميضَ الفداء في صليب مسيحنا يكشفُها لكلّ مَن يُعمى عنها. ونحوط البطريرك ورعاة الكنيسة، في مسعاهم الشهاديّ السلاميّ في هذه المنطقة الذي دعاهم إليه الربّ، اليوم، ودعانا جميعًا معهم، سائلين الحكمة والحِفظ لهم ولنا جميعًا.

أمّا القلّة من أبناء الكنيسة الذين ينتقدون بتجريحٍ وعنفٍ لفظيّ يحجبان كلّ بُعدٍ انجيليّ عن الانتقاد، ودونَ أن يحجبَ أحدٌ عنهم وعن أحد حقّ انتقادِ أيّ كان كما يجدر بأبناء المسيح أن ينتقدوا، ودونَ أن ينكرَ أحدٌ، أيضًا، حاجةَ كنيستنا الشديدة إلى حيويّة الأبناء في مقاربةِ أمور حياتها وشهادتها، فليتهم يتجنّبون هذا الأسلوب، وأيضًا، أن يكونوا أسرى المواقف السابقة والماضي، وكأنَّ الانجيلَ ليسَ بحيّ، أو شيئًا لم يتغيّر ويحدث اليوم، ومخاطرَ لا تتهدّد أحد.
وإنْ أخطأتُ بتمنّيَّ هذا أو أصبت، فهيَ برجاء أن يُكشَف لهم، ولنا كلّنا، ما يخدم، حقيقةً، الكلمة والشهادة اليوم، وما ينفع الكنيسة في هذه الظروف الخطيرة جدًّا، وما يضرّ بها، ويضرّ جدًا، والسبُل الأنجع التي تساعد في تحقيق المرتجيات.